أسرة
القارىء الكريم.. الهدف من هذا الموضوع هو إيصال فكرة صحيحة من خلال نصائح يقدمها أب حريص على تنشئة أبنائه تنشئة دينية سليمة عن طريق قصة يرويها بأسلوب واضح يتعلم الابن أو البنت من خلالها مفاهيم مهمة كالصلاة والصوم والزكاة والعمل الصالح وغيرها. يعتبر هذا الموضوع جزء من كتاب "صلاتي.. وصلاحي" الذي يتناول أهمية معرفة الجيل بالصلاة والعمل الصالح، وفي هذا الجزء من الكتاب نتناول مفهوم العمل الصالح وبالاجزاء اللاحقة سوف يتم تكملة هذا المفهوم إن شاء الله.
في ليلة شتائية قارصة البرد.. كان المطر في الخارج يهطل بغزارة.. وكان شمل العائلة ملتئماً حول المدفأة ذات اللّهب الأزرق التي تبعث بدفء لذيذ يتسلّل في الأوصال فينعشها، ولذا فقد وجد الأب الفرصة سانحة للحديث مع ولديه: (أحمد) الذي ناهز السادسة عشر من العمر، و(ليلى) التي أكملت أربعة عشر ربيعاً، فيما كانت الأُم مشغولة بحياكتها اليدوية.
قال الأب: ليالي الشتاء طويلة، ولذا فهي غنيمة.. فما هو رأيكم في أن نستثمر الفرصة لأحدِّثكم في أمرٍ ينفعكم في الدنيا والآخرة؟
برقت عيون (أحمد) و(ليلى) استبشاراً، وقد راقت لهما فكرة تمضية الوقت الفائض عن دراستهما في الإفادة من حديث الأب الذي سبق له أن حدّثهما أحاديث مماثلة شعرا بقيمتها، ووجدا أثرها في حياتهما.
قال (أحمد) مبتسماً: نريده يا أبتِ حديثاً يبعث فينا دفئاً إضافياً، فالليلة شديدة البرد.
قالت (ليلى): أحاديث بابا كلّها دافئة.
ضحكت الأُم قائلة: كلّ فتاةٍ بأبيها مُعجبة.
إبتسم الأب معلِّقاً: وبأُمِّها أيضاً!
ثمّ قال: دعونا ندخل في الجد.. فلقد قرّرت أن أحدِّثكم عن العمل الذي إذا عمله الإنسان دخل الجنّة.
قال (أحمد): هل هو الصلاة؟
قال الأب: هو الصلاة، وهو أكثر منها.
قالت ليلى: هل هو الصيام؟
قال الأب: هو الصيام، وهو أكثر منه.
قالت الأُم: هل هو العمل في سبيل الله؟
قال الأب: هو كلّ ذلك.
قالت ليلى: لقد شوّقتنا.. هاتِ ما عندك يا أبتِ.
قال الأب: سأحدِّثكم عن العمل الصالح، وقبل أن أعرِّفه لكم، دعوني أطرح عليكم بعض الأسئلة كمقدّمة للدخول في الموضوع:
إذا رأيتَ رجلاً مسنّاً يحمل أثقالاً.. فتهرج إلى مساعدته لتخفِّف عنه عناء حملها، فماذا تُسمِّي خدمتك له يا أحمد؟
أحمد: أقول هذا عمل حسن في مجال المساعدة الإنسانية.
الأب: ولو طلبت منكِ صديقتكِ في المدرسة أن تعينيها في حلِّ بعض الإشكالات العلمية الغامضة أو الصعبة، فماذا تُسمِّين مساعدتكِ يا ليلى؟
ليلى: أسمِّيه تعاوناً طيباً ومُثمراً.
الأب: ولو جاءك صديقُكَ وهو يُعاني من مشكلةٍ ما، ولم تستطع مساعدته في حلِّها، لكنّك تشاركه مشاركة وجدانية في التعاطف معه ممّا يخفِّف من وقع المشكلة عليه، فماذا تُسمِّي عملكَ هذا يا أحمد؟
أحمد: كما تسمِّيه أنت: مشاركة وجدانية.
ليلى: ولكن المشاركة الوجدانية عمل صغير، ليس كالإعانة على الوصول إلى حلٍّ للمشكلة.
الأب: هذه الملاحظة جوهرية في تعريف العمل الصالح. فقد نتصوّر أو يتبادر إلى أذهاننا أنّه العمل الضخم الكبير الذي يملأ العين، فبناء ملجأ للأيتام عمل صالح في نظر الناس، لأنّه يؤوي هؤلاء الذين حُرِموا من نعمة الأُمومة والأُبوّة، ولأنّ النبي (ص) أوصى بهم خيراً: "أنا وكافل اليتيم كهاتين – وجمع بين السبابة والوسطى – في الجنّة"، وهو نداء الله سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى/ 9).
أمّا أن تأخذ بيد الأعمى لتنقله من هذا الجانب من الشارع إلى الجانب الآخر، فقد يعتبره بعض الناس عملاً صالحاً، ولكنّهم يرونه عملاً بسيطاً.
أحمد: أفهم من كلامك يا أبي أنّ العمل لا يُقاس بحجمه؟
الأب: هذا بالضبط ما أردت التنبيه إليه، فالأمثلة والأسئلة التي طرحتها عليكم، سواء كانت الأعمال فيها صغيرة أو كبيرة، هي أعمال صالحة ولكن بشرط...
ليلى: إذا كانت صالحة، فلماذا الشرط؟
الأب: هي أعمال حسنة وجيِّدة، وحتى تكون صالحة في المعنى الإسلامي للعمل الصالح لابدّ من أن يتوافر فيها شرط إرادة رضا الله سبحانه وتعالى، وبمعنى آخر، فإنّ الإسلام لا ينظر إلى شكل العمل ولونه وحجمه، بل ينظر إلى الدافع الذي دفع الإنسان للقيام به: هل كان المراد منه إرضاء طموح شخصي؟ أو الحصول على شهرة بين الناس؟ أم كانت الغاية منه التقرّب من الله أكثر ابتغاء مرضاته؟ وأعني بابتغاء مرضاة الله أن أقوم بالعمل الإنساني لأنّ الله يحبّه ويدعو إليه.
ليلى: لنفترض مثلاً أنّني قدّمت خدمة لإحدى صديقاتي من أجل أن يُقال عنِّي أنِّي مُحسنة، أو متعاونة، أو خدومة.. فهل هذا يضرّ في صحة عملي أو تسميته عملاً صالحاً؟
الأب: هذا هو مربط الفرس يا ليلى.. لقد أوصلتينا إلى النقطة الحسّاسة في الموضوع، فالميزان الذي يزن به الإسلام الأعمال هو الدافع المحرِّكة لها، أو كما يُعبّر عنها بـ"النية"، فبقدر ما تكون النية صالحة يكون العمل صالحاً، وأمّا إذا فسدت النية أو خالطها ما يشوبها، بأي شكل من أشكال الفساد، أو أيّة شائبة تُخرجها عن معنى النية الصالحة أو الخالصة، فلا يعدّ العمل صالحاً حتى ولو أبهر أبصار الناس وأخذ بعقولهم.
أحمد: هل هذه الأعمال القيِّمة والجبّارة التي صنعتها أيدي الناس وعقولهم لا تعتبر صالحة لمجرد أنها لم تبتغ رضا الله؟ أليست هي أعمالاً نافعة خدمت وتخدم البشرية؟
الأب: هي – في الإسلام – أعمال حسنة أو جيِّدة أو نافعة، لكنها ليست أعمالاً صالحة بالمعنى الإسلامي للعمل الصالح، فقد يُسمِّيها الناس أعمالاً صالحة وهم يقصدون أنها جيِّدة أو مفيدة، اللّهمّ إلا إذا كان الغرض منها الاستجابة لإرادة الله والتقرّب إليه بجعل العمل خالصاً له.
ليلى: كيف تكون جيِّدة ونافعة ولا تكون صالحة؟!
الأب: سؤالكِ اللطيف والمهم يُدخلنا في معرفة خصائص العمل الصالح. فمرّة ننظر إلى العمل من حيث طبيعته حجماً ونوعاً وتأثيراً في حياة الناس، ولذا يحقّ لنا أن نعتبر بناء المستشفى والمدرسة وملجأ الأيتام والمصنع، أعمالاً نافعة، ونُقارن بينها في أحجامها ونتائجها.
ومرّة ننظر إلى العمل من حيث التصاقه بالإنسان وصدوره عن شخصيته الإيمانية، أي أنّ العمل يمثِّل صورة الإنسان في تفكيره وعواطفه وسلوكه ومنهجه الروحي والإنساني في القيام بأيِّ عمل يعمله.
ففي الحالة الأولى تكون المقارنة بالشكل التالي: بناء مشفى أعظم من بناء بيت شخصي، والتصدّق بألف دينار أكبر من التصدّق بمائة، وإعطاء الدواء للمريض أفضل من إدخال السرور على قلبه والتخفيف من ألمه بطريقة نفسية، إذا لم نتمكّن من توفير العلاج له.
وفي الحالة الثانية، قد يكون بناء البيت أو التصدّق بمائة دينار أو مواساة المريض أعمالاً كبيرة بقدر ما تصدر عن نفوس كبيرة، فالعمل الصغير هنا يعبِّر عن شخصية كبيرة، وربّما العمل الكبير هناك – أي في الحالة الأولى – يعبِّر عن شخصية صغيرة ليس لها – فيما تعمله – سوى أهداف ذاتية ومزاجية ضيِّقة.
وألخِّص لكم منظور الإسلام للعمل بأنّ قيمة أي عمل تتصل بمضمونه وليس بشكله، فإذا كانت الدوافع مصلحية، أو تجارية، أو هي عادة ذاتية اعتادها صاحبها، أو كان العمل تقليداً اجتماعياً أعمى، أو مزاجاً شخصياً بحتاً، فلا يستحقّ صاحبه ثواباً عند الله عليه، لأنّه عمل يخلو من المعنى الروحي الإنساني الكبير، أي العمل في سبيل الله.
وبهذا يمكن أن نصوغ هذه النظرة الإسلامية للعمل الصالح بالشعار التالي: "الإسلام يهتم بالدوافع وليس بالمنافع".
ليلى: هل نفهم من ذلك أنّ الإسلام يلغي مسألة المنافع المترتِّبة على العمل إلغاءً كلياً؟
الأب: كلا، ولكنّه يركِّز على الدوافع والنوايا أوّلاً وقبل كلّ شيء، وحينما تكون الدوافع خيِّرة فإنّ الأعمال الناتجة عنها ستكون خيِّرة أيضاً، وبالطبع، إذا كان الدافع صالحاً والعمل كبيراً، فالمنفعة ستكون كبيرة أيضاً، ولذا حثّ الإسلام على الأعمال النافعة: "خيرُ الناسِ مَن نفع الناس"، وذلك ضمن الشرط الذي ذكرناه، أي العمل في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
استمعوا لهذه القصة من سيرة النبي (ص).. لمّا أُتيَ بسبايا (طيء) وهي قبيلة عربية مشهورة كان الكريم (حاتم الطّائي) أحد أبرز شخصياتها، كان من بين السبايا ابنة (حاتم)، فخاطبت النبي (ص) قائلة: إن رأيتَ أن تُخلي سبيلي ولا تُشمت بي أحياء العرب، فأنا ابنة سيِّد قومي، وإنّ أبي كان يفكّ العاني (الأسير)، ويُشبع الجائع، ويكسو العاري، ويُفشي السلام، ولا يردّ طالب حاجة قطّ.. أنا بنت (حاتم الطّائي)!
فقال النبي (ص) والتفتوا إلى ردِّه: هذه صفات المؤمنين، خلّوا عنها، فإنّ أباها كان يحبُّ مكارم الأخلاق، فعفا عنها إكراماً لأبيها، لما يعني أنّ الإسلام يُقدِّر الأعمال الطيِّبة، والأخلاق الحسنة حتى ولو صدرت عن غير المسلمين، ولكنّه – بحسب مفهومه للعمل الصالح الذي لابدّ أن يُراد به وجه الله أي رضاه – عمل غير صالح، لا بمعنى أنّه عمل منكر أو قبيح أو سلبي، بل لأنّ غايته تختلف.
ويبدو من أمثال هذه القصص أنّ الله تعالى اطّلع على سرائر هؤلاء فرآهم يحبّون السخاء ومكارم الأخلاق لا لأجل السمعة والمباهاة، بل حبّاً بإكرام الضيف وإعانة المحتاج، وهو ما يُربِّي الإسلام عليه، أي أنّ هؤلاء لم يعملوا أعمالهم لله وطلباً لمرضاته، بل إنّ طبيعة عملهم الدالة على نفوس خيِّرة جعلت الإسلام يقف منهم هذا الموقف الإيجابي.
أحمد: ألا ترى يا أبتي أنّ هناك خيطاً رفيعاً بين ما هو (عمل طيِّب) وبين ما هو (عمل صالح)؟
الأب: سؤال ذكي: لقد طرح أحد الأشخاص سؤالاً كسؤالك هذا على الإمام جعفر الصادق (ع)، وسأله عن الأخلاق: ما هي؟
فقال (ع): "الخُلق مِنحة يمنحها الله مَن شاء من خلقه، فمنهُ (أي من الخُلق): (سجيّة) ومنه (نيّة)".
فسأله الرجل: فأيّهما أفضل؟!
فقال (ع): "صاحب النيّة أفضل. ثمّ علّل السبب قائلاً: فإنّ صاحب السجيّة (مثل حاتم الطائي) هو المجبول (المطبوع) على الأمر الذي لا يستطيع غيره، وصاحب النيّة هو الذي يتصبّر على الطاعة، فيصير بهذا أفضل"!
أعرفت الفرق يا أحمد، فصاحب النية يحتاج إلى بذل جهد وطاقة لتوجيه سلوكه أحياناً اتجاهاً مخالفاً لهوى نفسه.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الدوافع الصالحة والنوايا الطيِّبة التي يُراد بها وجه الله تساعدنا على المداومة على العمل الصالح، أي انّها ضمانة للإستمرار والإكثار من الأعمال الصالحة، أمّا الدوافع الأُخرى – الذاتية والضيِّقة – فمتغيِّرة متذبذبة وخاضعة للمزاج والظرف والمصلحة، وبالتالي فلا يمكن الاعتماد على أنّها ستنتج أعمالاً صالحة على طول الخط.
الشرط الأساس في العمل الصالح إذاً هو أن يكون في سبيل الله وطلباً لمرضاته، ولذا فإنّنا يمكن أن نسجِّل كلّ عمل حتى ولو كان (مثقال ذرّة) في عداد الأعمال الصالحة إذا توفّر فيه هذا الشرط، ويمكن أن أوضِّح لكم ذلك من خلال الحديث الشريف التالي:
"يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقول الله (سبحانه وتعالى): خذوه إلى النار، فيقول: لِمَ يا ربّ وقد أنفقتُ مالي في سبيلك؟! فيُقال: كذبت، إنّما أنفقتَ لكي يُقال عنك أنّك كريم، ويؤتى بآخر فيقول الله (عزّ وجلّ): خذوه إلى النار، فيقول: لِمَ يا ربّ وقد قاتلتُ في سبيلك؟! فيُقال: كذبت، إنّما قاتلتَ لكي يُقال عنك إنّك شُجاع. ويؤتى برجل فيقول الله (جلّ شأنه): خذوه إلى النار، فيقول: لِمَ يا ربّ وقد أفنيتُ عمري في طلب العلم؟! فيُقال: كذبت، إنّما طلبتَ العلم ليزداد خلفك خفق النعال[1]".
وعلى هذه الأفعال يمكن قياس ما سواها من أعمال، لنعرف أيّها الصالح وأيّها السيئ الطالح، أو العمل الذي يُراد به رضا الله والعمل الذي لا يُراد به رضا الله. وأذكِّركم دائماً أنّ المعيار ليس المنفعة، فقد تكون بعض الأعمال نافعة ولكنّها غير صالحة في المنظور الإسلامي.
أحمد: ألسنا بذلك نقلِّص دائرة الأعمال الصالحة فنحصرها بالأعمال التي يقوم بها المؤمنون فقط؟ ترى، ماذا نقول عن هذه الأعمال التي تسدي خدمات جليلة للبشرية؟
الأب: لقد ميّزنا بين العمل الصالح وبين العمل غير الصالح في المفهوم الإسلامي، ولكن تبقى للأعمال والخدمات العلمية والتقنية منافعها التي لا تُنسى ولا تُنكر، ألا ترانا نستفيد من ذلك كلّه في حياتنا العلمية؟ ولولا الانجازات الكبيرة في كلّ مجال من مجالات العلم والعمل والمعرفة، لكنّا نعيش البداوة والتخلّف.
إنّنا نقيِّم كلّ عمل من خلال طبيعته في حجمه ونوعيته وتأثيره في حياة الناس، ولا نبخس الناس أشياءهم، وقد تحظى بعض الأعمال بجوائز مالية أو تقديرية محلية أو عالمية لما تضيفه من انجازات لما سبق أن أنجزهُ علماء وخبراء سابقون.
وحينما نقول عن هذه الأعمال أنّها ليست صالحة اسلامياً، فإن ذلك لا يعني فسادها، فهي صالحة لخدمة الإنسان في كلّ مكان وليست أعمالاً مُنكرة أو مُستهجنة، ولكنها أعمال يريد لها الإسلام أن تصدر عن روح مؤمنة تقدِّم عطاءها للإنسانية بلا منّة، أي أنّ هدفها رضا الله لا رضا الناس، وذلك على طريقة: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان/ 9).
ورضا الناس قد يلتقي مع رضا الله وقد يفترق، ولكنّ العمل الذي نعمله ولا نطلب أجراً عليه من أحد سوى الله، فهو العمل الصالح، وهذا ما تعمل كلّ العبادات في الإسلام: صلاةً وصوماً وحجّاً وزكاةً وجهاداً من أجله.
ليلى: من ذلك نستنتج أنّ العمل الصالح هو العمل الذي يؤدي أو ينبع من الإيمان الصادق، وهو الذي ينطوي على الاخلاص لله سبحانه وتعالى، أليس كذلك؟
الأب: هذا استنتاج ذكي يزيد في ثقتي بفطنتكِ يا ليلى. ولكن دعوني أختم حديث هذه الليلة بمثال تقريبي من واقع حياتنا: فلو أنّ تاجراً عيّن موظّفاً في متجره ليعمل لصالحه فقط، فهل يحقّ للعامل أو الموظّف أن يعمل للتاجر، أي لربِّ العمل ولتاجرٍ آخر، بعدما اشترط ربّ العمل أن يكون عمل الموظّف كلّه لأجله، في قِبال ما يدفعه له من أجور مجزية لا يجدها عند أي تاجر آخر؟!
ليلى: لقد سمعتُ منكَ دائماً تقول: "المؤمنون عند شروطهم".
أحمد: وتقول أيضاً: "العقد شريعة المعاقدين".
الأب: أي لا يجوز التلاعب بالشروط المتّفق عليها بين المؤمنين. فما بيننا وبين ربّ العالمين أشبه بالعقد الذي لا يجوز الإخلال به، فلقد اشترط علينا – وهو خالقنا ومستخلفنا في الأرض – أن يكون العمل له وحده لا شريك له.
فإذا عملنا له ولغيره، فإنّنا نكون قد أخللنا بشروط الاتفاق، وخرقنا العهد والأمانة التي حمّلنا إيّاها: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72). ظلوماً لنفسه وللأمانة ولربِّه، وجهولاً بقيمة هذه الأمانة وآثارها العظيمة.
وسنكمل الحديث في أشكال العمل الصالح، في الأجزاء اللاحقة إن شاء الله.
[1]- يكثر خلفك خفق النعال: أي يزداد الملتفّون حولك من الحاشية والمسبِّحين بحمدك.
ارسال التعليق